فصل: تفسير الآيات (108- 110):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (95):

{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
{قَالَ} لهم ذو القرنين: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ} قرأ ابن كثير {مكنني} بنونين ظاهرين، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة على الإدغام، أي: ما قواني عليه {رَبِّي خَيْرٌ} من جعلكم {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} معناه: إني لا أريد المال بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} أي: سدا، قالوا وما تلك القوة؟ قال: فعلة وصناع يحسنون البناء والعمل والآلة، قالوا: وما تلك الآية؟ قال:

.تفسير الآيات (96- 98):

{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
{آتُونِي} أعطوني وقرأ أبو بكر: {ائتوني} أي جيئوني {زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي قطع الحديد واحدتها زبرة، فأتوه بها وبالحطب وجعل بعضها على بعض، فلم يزل يجعل الحديد على الحطب والحطب على الحديد {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب: بضم الصاد والدال وجزم أبو بكر الدال وقرأ الآخرون بفتحها وهما الجبلان ساوى: أي سوى بين طرفي الجبلين.
{قَالَ انْفُخُوا} وفي القصة: أنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد، ثم قال: انفخوا، يعني: في النار.
{حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي صار الحديد نارا، {قَالَ آتُونِي} قرأ حمزة وأبو بكر وصلا وقرأ الآخرون بقطع الألف. {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي: آتوني قطرا أفرغ عليه، والإفراغ: الصب والقطر: هو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس.
قال قتادة: هو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء. وفي القصة: أن عرضه كان خمسين ذراعا وارتفاعه مائتي ذراع وطوله فرسخ. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أن يعلوه من فوقه لطوله وملاسته {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} من أسفله لشدته ولصلابته وقرأ حمزة: {فَمَا اسْتَطَاعُوا} بتشديد الطاء أدغم تاء الافتعال في الطاء. {قَالَ} يعني ذا القرنين {هَذَا} أي السد {رَحْمَةٌ} أي: نعمة {مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} قيل: يوم القيامة وقيل: وقت خروجهم {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} قرأ أهل الكوفة {دَكَّاءَ} بالمد والهمز، أي: أرضا ملساء وقرأ الآخرون بلا مد أي: جعله مدكوكا مستويا مع وجه الأرض {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} وروى قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة يرفعه: «أن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله واستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه فيخرجون على الناس، فيتبعون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون وإن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا».
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنبأنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال ذات غداة فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم؟ إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه اليمنى طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله! فاثبتوا» قلنا: يا رسول الله فما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم» قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال لا اقْدُرُوا له قدره قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: «كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنوا به ويستجيبوا له فيأمر السماء فتمطر الأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، قال: فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فيتبعه كنوزها كيعاسيب النخل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي باب دمشق بين مهرورتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرَّسْل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة».
وبهذا الإسناد حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والوليد بن مسلم بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد نحو ما ذكرنا وزاد بعد قوله:- لقد كان بهذه مرة ماء- ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما.
وقال وهب: إنهم كانوا يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه، ثم يأكلون الخشب والشجر، ومن ظفروا به من الناس، ولا يقدرون أن يأتوا مكة ولا المدينة ولا بيت المقدس.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل أنبأنا أحمد أنبأنا أبي أنبأنا إبراهيم عن الحجاج بن حجاج عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج».
وفي القصة: أن ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفي بشهر زور وذكر بعضهم: أن عمره كان نيفا وثلاثين سنة.

.تفسير الآيات (99- 102):

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا (102)}
قوله عز وجل: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قيل: هذا عند فتح السد، يقول: تركنا يأجوج ومأجوج يموج، أي: يدخل بعضهم على بعض كموج الماء ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم.
وقيل: هذا عند قيام الساعة، يدخل الخلق بعضهم في بعض ويختلط إنسيهم بجنيهم حيارى. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} في صعيد واحد. {وَعَرَضْنَا} أبرزنا {جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} حتى يشاهدوها عيانا. {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ} أي: غشاء والغطاء: ما يغطى به الشيء ويستره {عَنْ ذِكْرِي} يعني: عن الإيمان والقرآن، وعن الهدى والبيان. وقيل: عن رؤية الدلائل.
{وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} أي: سمع القبول والإيمان، لغلبة الشقاوة عليهم.
وقيل: لا يعقلون وقيل: كانوا لا يستطيعون أي: لا يقدرون أن يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتلوه عليهم لشدة عداوتهم له، كقول الرجل: لا أستطيع أن أسمع من فلان شيئا لعداوته. قوله عز وجل: {أَفَحَسِبَ} أفظن {الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} أربابا يريد بالعباد: عيسى والملائكة كلا بل هم لهم أعداء ويتبرءون منهم.
قال ابن عباس: يعني الشياطين أطاعوهم من دون الله. وقال مقاتل: الأصنام سموا عبادا كما قال: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} [الأعراف- 194] وجواب هذا الاستفهام محذوف.
قال ابن عباس: يريد إني لأغضب لنفسي، يقول: أفظن الذين كفروا أن يتخذوا غيري أولياء وإني لا أغضب لنفسي ولا أعاقبهم.
وقيل: أفظنوا أنهم ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء.
{إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا} أي: منزلا قال ابن عباس: هي مثواهم. وقيل: النزل ما يهيأ للضيف يريد هي معدة لهم عندنا كالنزل للضيف.

.تفسير الآيات (103- 105):

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)}
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا} يعني: الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا فنالوا هلاكا وبوارا كمن يشتري سلعة يرجو عليها ربحا فخسر وخاب سعيه.
واختلفوا فيهم: قال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص: هم اليهود والنصارى. وقيل: هم الرهبان. {الَّذِينَ} حبسوا أنفسهم في الصوامع. وقال علي بن أبي طالب: هم أهل حروراء {ضَلَّ سَعْيُهُمْ} بطل عملهم واجتهادهم {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} أي عملا. {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ} بطلت {أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} أي لا نجعل لهم خطرا وقدرا، تقول العرب: ما لفلان عندي وزن أي: قدر لخسته.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا أحمد عن محمد بن يوسف عن محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سعيد ابن مريم أنبأنا المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة»، وقال اقرؤوا ما شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.
قال أبو سعيد الخدري: يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.

.تفسير الآيات (106- 107):

{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا (107)}
{ذَلِكَ} الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخسة أقدارهم ثم ابتدأ فقال: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي} يعني القرآن {وَرُسُلِي هُزُوًا} أي سخرية ومهزوءا بهم. قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ} روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة».
قال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
وقال قتادة: الفردوس: ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها.
قال كعب: الفردوس: هو البستان الذي فيه الأعناب.
وقال مجاهد: هو البستان بالرومية.
وقال عكرمة: هي الجنة بلسان الحبش.
قال الزجاج: هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية.
وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة الأشجار.
وقيل: هي الروضة المستحسنة.
وقيل: هي التي تنبت ضروبا من النبات، وجمعه فراديس.
{نزلا} قيل أي: منزلا. وقيل: ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلا ومعنى {كانت لهم} أي: في علم الله قبل أن يخلقوا.

.تفسير الآيات (108- 110):

{خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}
{خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ} لا يطلبون {عَنْهَا حِوَلا} أي تحولا إلى غيرها، قال ابن عباس: لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى. قوله عز وجل: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} قال ابن عباس: قالت اليهود يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم تقول: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: لما نزلت: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، قالت اليهود: أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فأنزل الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} سمي المداد مدادا لإمداد الكاتب وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء.
قال مجاهد: لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} أي ماؤه {قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ} قرأ حمزة والكسائي {ينفد} بالياء لتقدم الفعل والباقون بالتاء {كَلِمَاتُ رَبِّي} أي علمه وحكمه {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} معناه: لو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم لنفد البحر ولم تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثل ماء البحر في كثرته مددا أو زيادة و{مددا} منصوب على التمييز نظيره قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان- 27]. قوله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قال ابن عباس: علم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يقر فيقول: إني آدمي مثلكم، إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد لا شريك له {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي يخاف المصير إليه وقيل: يأمل رؤية ربه فالرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا، قال الشاعر:
ولا كل ما ترجو من الخير كائن ** ولا كل ما ترجو من الشر واقع

فجمع بين المعنيين.
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} أي: لا يرائي بعمله.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنبأنا أبو نعيم أخبرنا سفيان عن سلمة هو ابن كهيل قال: سمعت جندبا يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به».
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبي حدثنا شعيب قال: حدثنا الليث عن أبي الهاد عن عمرو عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء هو للذي عمله».
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام عن قتادة حدثنا سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال».
وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني حدثنا أبو جعفر الرياني حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا أبو الأسود حدثنا ابن لهيعة عن زياد عن سهل- هو ابن معاذ- عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدميه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء».